هجروا الكدر وهاجروا إلى الصفا .. وقصدوا المروه بعد أن أموا الصفا و تعلقت آمالهم بمن هو حسيبهم وكفى وهناك ينكشف الغطاء وتتفتح أبواب السماء فيتوجه قصاد بيت الله بوجوهاً قد انزاحت عنها ظلمت الشهوات والأهواء وأشرقت عليها الأنوار فسمت حتى رأت الأرض ومن عليها ذرة صغيرة تتهادى في أجواء الفضاء ثم سمت حتى تدبرت القرآن غضاً غليظاً كأنما نزل به الوحي أمس وسمعت النداء ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) فأجابت ( لبيك اللهم لبيك ) هنالك تتنفس الإنسانية التي خنقتها الأحقاد وغلتها المعاصي وجافا بينها حب الدنيا وكراهية الموت هناك تتحقق المثل العليا وتعم المساواة ويسود السلام ... ويجتمع الناس على اختلافهم في صعيد واحد..... لباسهم واحد ... يتوجهون إلى رب واحد ..... ويلهجون بلسان واحد ... ( لبيك اللهم لبيك ) فهناك في مكة ينزل المتعبون ما أنهك قلوبهم من أوضار الذنوب ..وأثقال المعاضي ... فيرجعون منها خفافاً كيوم يولدون .. ويتحقق في الموفق منهم قوله ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه ) متفق عليه ... فعجباً لقلوبنا .... ما هذا الحنين العارم يشدنا نحو ذلك البيت الصغير ... وأي شيء ركب فينا حتى يقلقنا المقام فلا نهدأ حتى تكتحل عيوننا برؤية بيت الله العتيق ... فإذا أبصرناه خالط قلوبنا برد اليقين وحلاوة اللقاء.... وهاهو نداء إبراهيم عليه السلام يسري مع الأيام ... وهاهو البيت العتيق يشد القلوب ..... مهما نأت بها الدار أو شطت بها المزار ..وبعد هذا ........يودع كل من رام الحج بوافر من دعوات التوفيق والقبول .. وربما سح دمع المودع حسرة على عدم المصاحبة ... أو قفزت لحظة الوداع في معالم الأماكن المقدسة ماثلة بين ناظريه يناجيها بقلبه ويطلب من الله تعالى تبليغه حج بيته الكريم أعوام عديدة ...