الحمد لله العزيز الغفار عدد ما صلى له المصلون الأخيار وصلى الله وسلم على النبي المختار خير من ركع وسجد واستغفر بالأسحار وعلى آله وصحبه الطيبين الأطهار وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم يبرز فيه العباد لله الواحد القهار أما بعد:
هذه همسة من قلب حزين ووقفة عتاب ملؤها الأنين ودمعة يحدوها الحنين
دمعة من اشتاق الى جنان رب العالمين ،،
وقفة مع أحوال بعض المسلمين ،،
همسة أحدثك فيها عن فريضة من أهم فرائض هذا الدين ،،
نعم ،، أحدثك عن فريضة هي أول ما تحاسب عنه يوم القيامة
فريضة إن صلحت صلح سائر العمل كله وإن فسدت فسد سائر العمل كله
فريضة قد أفلح من أداها بخشوع
فريضة هي صلة بين العبد وربه
فريضة تنهى عن الفحشاء والمنكر
فريضة تشتكي إلى الله عز وجل ممن هجروها وتركوها وأهملوها
"إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً" -
نعم أخي ،،
إنها الصلاة
آخر ما وصى به نبي الهدى صلى الله عليه وسلم وهو يودع الدنيا
همسة ووقفة ودمعة أخاطب بها كل من أحب الجنة وإن لم يعمل لها
أخاطب بها كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
وإن كان لي من أمل ،، فهو أن لا تسمعها بأذنيك فحسب بل اجعلها حديث القلب إلى القلب
حديث الروح للأرواح يسري * * * وتدركه القلوب بلا عناء
أخي الحبيب
في موقف القيامة ،، في ذلك الموقف الرهيب ذلك الموقف العصيب ذلك الموقف الذي وصفه الله تعالى بقوله:
"يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ "
ذلك الموقف الذي ينسى فيه الابن أباه ،، ينسى الأخ أخاه ،، وتنسى البنت أمها ،، وتنسى الأخت أختها كلٌ يقول نفسي نفسي ..
" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)"
ذلك الموقف الذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم دنو الشمس فيه بقوله:
"تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل"
قال راوي الحديث:
فوالله لا أدري فيما يعني بالميل أمسافة الأرض أو الميل التي تكحل به العين ..
قال صلى الله عليه وسلم:
"سيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه -أي خصره- ومنهم من يلجمه العرق إلجاما"
وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه"
مقام المذنبين غداً عسير * * * إذا ما النار قربها القدير وقد نسفت جبال الأرض نسفاً * * * ويبست البحور فلا بحور وبرزت الجحيم لكل عبد * * * على أهل المعاد لها زفير
ترى الناس حفاة عراة غرلا ،، لا ينظر أحداً إلى الآخر من هول ذلك الموقف كلٌ قد أشغلته ذنوبه .. كلٌ قد أهمته عيوبه ..
"وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ "
ذلك الموقف الذي فيه تصير قلوب العباد ..
"لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ" من خوفهم مغمومين مكروبين مهمومين ..
"وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً "
فلا إله إلا الله ،، ما أشده من يوم .. ولا إله إلا الله ،، ما أصعبه من موقف ..
يوم القيامة لو علمت بهوله * * * لفررت من أهل ومن أوطان يوم تششققت السماء لهوله * * * وتشيب فيه مفارق الولدان يوم عبوس قمطرير شره * * * في الخلق منتشر عظيم الشان
"وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلاً (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً (26)"
ولكن أخي ،،
في تلك الأحوال ،، وفي تلك الأهوال ..
هناك أناس قد اطمأنت نفوسهم وقلوبهم وأمنوا حر ذلك اليوم وشدائده ..
أتدري من هم ؟؟؟!!!
إنهم الذين تفيئوا ظل الرحمن يوم لا ظل إلا ظله ..
قال صلى الله عليه وسلم:
"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ....."
وذكر منهم رجلٌ قلبه معلق بالمساجد
"فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ "
كان يحن إلى المسجد متى ما خرج منه
كان يشتاق إلى الصلاة أشد من اشتياقه إلى ما سواها ولئن يرفع يديه مكبرا .. حتى تذرف عيونه دموع الخشية والانكسار
لأنه أيقن أنه سيقف بين يدي الواحد القهار
فكيف هو وقد أضاء وجهه بنور الإيمان
كيف وهو يجتاز الصراط ثم يدخل الجنان
كيف وهو ينظر إلى وجه الملك الديان
كيف وهو يتنعم مع الحور الحسان
والله ما أسعده من إنسان ذلك الإنسان
لله قوم أخلصوا في حبه * * * رضى بهم واختصهم خداما
قوم ٌ اذا جنّ الظلام عليهم ُ * * * أبصرت قوما سجدا وقياما
فسيغنمون عرائسا بعرائس ٍ * * * ويتوّجون من الجنان خياما
وتقرّ أعينهم بما اخفي لهم * * * وسيسمعون من الجليل سلاما
"ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71)
أخي ،،
وفي اليوم نفسه وفي الموقف ذاته هناك أناس على النقيض من أولئك الأخيار
استمع إلى ربك وهو يصفهم:
"وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ (50)"
ومن هؤلاء المجرمين أناس كانوا عن الصلاة ساهين لاهين غافلين
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (4 وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ (49)"
فليت شعري ما حالهم وهم يساقون إلى العذاب الشديد
"وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً"
وليت شعري ما حالهم وهم يلقون في جهنم وهي تزفر قائلة:
هل من مزيد ،، هل من مزيد
"يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ"
وليت شعري ما حالهم وهم يضربون فيها بمقامع من حديد ..
"كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ"
وليت شعري ما حالهم وهم يأكلون الزقوم ويشربون الصديد والله إنهم لبئس الخلق ولبئس العبيد
"وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ"
أسال الله ان يجعلنا ممن يقال لهم
(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) "