قال تعالى : (إنَّ هَذَا القُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ويُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ
لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً) [ سورةالإسراء : 9]
.. ومن هدي القرآن الذي هو أقوم ؛ هديه إلى أن التقدم لا ينافي التمسك بالدين ، فما خيله
أعداء الدين لضعاف العقول ممن ينتمي إلى الإسلام من أن التقدم لا يمكن إلا بالانسلاخ من دين
الإسلام باطلٌ لا أساس له ، والقرآن الكريم يدعو إلى التقدم في جميع الميادين
التي لها أهـمية في دنيا أو دين ، ولكن ذلك التقدم في حدود الدين ، والتحلي بآدابه الكريمة ،
وتعاليمه السماوية
، قال تعالى : ( وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) ، وقال : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ
أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ )
يدل على الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف ، وداود من أنبياء ( سورة الأنعام)
المذكورين فيها في قوله تعالى ( ومِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ) ، وقد قال تعالى مخاطباً لنبينا -صلى الله عليه
وسلم- وعليهم بعد أن ذكرهم : ( أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) .
وقد ثبت في " صحيح البخاري " عن مجاهد أنه سأل ابن عباس- رضي الله عنهما- : من أين أخذت
السجدة في " ص " ؟ ، فقال : أو ما تقرأ : ( ومِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ ... أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ
اقْتَدِهْ ) ، فسجدها داود ، فسجدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فدل ذلك على أنا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أمر به داود . فعلينا أن
نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا ، وانظر قوله تعالى : ( وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ) ،
فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت . فهو أمر
جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية ، وعدم الجمود على الحالات الأُول إذا طرأ تطور جديد ،
ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين .